فصل: ولاية المظفر بن كيدر على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 ولاية المظفر بن كيدر على مصر

هو المظفر بن كيدر أمير مصر ولي إمرة مصر بعد موت أبيه كيدر باستخلافه وأقره المعتصم على عمل مصر وذلك في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة ومائتين وسكن العسكر على عادة الأمراء وتم أمره فخرج عليه يحيى بن الوزير الني كان خرج على أبيه أيضًا قبل موته بمدة يسيرة فتهيأ المظفر هذا لقتاله وحشد وجمع الجند والعسكر وخرج من مصر حتى التقى مع يحيى بن الوزير المذكور وقاتله فكانت بينهم وقعة هائلة انكسر فيها يحيى بن الوزير المذكور وظفر به المظفر هذا وذلك في جمادى الآخرة من سنة تسع عشرة ومائتين‏.‏

ولما ولي المعتصم الخلافة أنعم بولاية مصر على أبي جعفر أشناس ودعي لأشناس على منابر مصر وبعد مدة يسيرة صرف أشناس المظفر هذا عن إمرة مصر في شعبان من السنة وولي مصر بعده موسى بن أبي العباس‏.‏

وكانت ولاية المظفر على مصر نحوًا من أربعة أشهر تخمينًا على أنه لم يهنأ له بها عيش من كثرة ما وقع له من الحروب والوقائع في هذه المدة اليسيرة مع أنه ورد عليه كتاب المعتصم يذكر له أن يمتحن العلماء بخلق القرآن بمصر فامتحن جماعة‏.‏

وبالجملة فكانت أيامه على مصر قليلة ووقائعه وشروره كثيرة‏.‏

السنة التي حكم في أولها كيدر وهي سنة تسع عشرة ومائتين‏.‏

فيها كانت طلمة شديدة بين الظهر والعصر وزلازل هائلة‏.‏

وفيها ظهر محمد بن القاسم العلوي الحسيني بالطالقان يدعو إلى الرضى من آل محمد فاجتمع عليه خلق فأرسل عبد الله بن طاهر له جيوشًا فواقعوه عدة وقعات حتى انهزم محمد وقصد كورة خراسان فظفر به متولي نسا فقيده وبعث به إلى ابن طاهر فأرسله إلى المعتصم فحبسه فهرب من السجن ليلة عيد الفطر واختفى فلم يقع له المعتصم على أثر ولا خبر‏.‏

وفيها في جمادى الأولى قدم بغداد إسحاق بن إبراهيم بسبي عظيم من أهل الخرمية الذين أوقع بهم بهمذان‏.‏

وفيها عاشت الزط بنواحي البصرة فانتدب لحربهم عجيف بن عنبسة فظفر بهم وقتل منهم نحو ثمانمائة ثم جرت له معهم بعد ذلك حروب وكانت عدتهم خمسة آلاف‏.‏

وفيها امتحن الخليفة المعتصم أحمد بن حنبل بالقول بخلق القرآن وعاقبه رضي الله عنه ووقع له أمور يطول شرحها من المناظرات والأسئلة فثبته الله على الحق وفيها حج بالناس العباس بن محمد بن علي العباسي‏.‏

وفيها توفي علي بن عبيدة أبو الحسن الكاتب المعروف بالريحاني كان أديبًا فصيحًا بليغًا تهن بمنزليك وجود بذل سعودك فيهما خبرًا وخبرا فمن دار السعادة كل يوم إلى دار الهنا وهلم جرا وفيها توفي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر وقيل‏:‏ أبو محمد وكان يلقب بالجواد وبالمرتضى وبالقانع ولد سنة خمس وتسعين ومائة وكان خصيصًا عند المأمون وزوجه المأمون بابنته أمم الفضل وكان يعطيه في كل سنة ألف ألف درهم ومات لخمس ليال بقين من ذي الحجة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي علي بن عياش الألهاني بحمص وأبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي بمكة وأبو نعيم الفضل بن دكين وأبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي بالكوفة وإبراهيم بن حميد الطويل وسعد بن شعبة بن الحجاج بالبصرة وأبو الأسود النضر بن عبد الجبار بمصر وسليمان بن داود الهاشمي وغسان بن الفضل الغلابي ببغداد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وإصبع واحد‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وعشرة أصابع ونصف‏.‏

ولاية موسى بن أبي العباس هو موسى بن أبي العباس ثابت ولي إمرة مصر نيابة عن أشناس بعد عزل المظفر بن كيدر عنها في مستهل شهر رمضان سنة تسع عشرة ومائتين ولي على الصلاة وجمع له الخراج في بعض الأحيان‏.‏

ولما ولي مصر سكن بالعسكر على عادة الأمراء واستعمل على الشرطة بعض حواشيه وحسنت أيامه وطالت وسكنت الشرور والفتن بآخر أيامه فإنه في أول الأمر خالفه بعض أهل الحوف ووقع له معهم أمور حتى سكن الأمر وصلح على أنه كان في أيام المحنة بخلق القرآن وأباد فقهاء مصر وعلماءها إلى أن أجاب غالبهم بالقول بخلق القرآن‏.‏

ودام على إمرة مصر نائبًا لأبي جعفر أشناس إلى أن صرف عنها في شهر ربيع الأخر سنة أربع وعشرين ومائتين‏.‏

وكانت ولايته على إمرة مصر أربع سنين وسبعة أشهر وولى أشناس على إمرة مصر بعده مالك بن كيدر الصغدي‏.‏

وأما التعريف بأشناس فإنه كان من كبار القواد بحيث إن المعتصم جعله في فتح عمورية من بلاد الروم على مقدمته ويتلوه محمد بن إبراهيم بن مصعب وعلى ميمنته إيتاخ القائد وعلى ميسرته جعفر بن دينار بن عبد الله الخياط وعلى القلب عجيف بن عنبسة‏.‏

وفيما ذكرناه كفاية لمعرفة مقام أشناس عند الخلفاء‏.‏

بن أبي العباس على مصر وهي سنة عشرين ومائتين‏.‏

فيها عقد الخليفة المعتصم على حرب بابك الخرمي وعلى بلاد الجبال للأفشين واسمه حيدر بن كاوس فتجهز الأفشين وحشد وجمع وسار لحرب بابك وغيره‏.‏

وفيها وجه المعتصم أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل لعمارة الحصون التي خربها بابك في أيام عصيانه‏.‏

قلت‏:‏ وقد أفسد بابك هذا في مدة عصيانه مدنًا كثيرة وأخرب عدة حصون وأباد العالم وعجزت الخلفاء والملوك عنه لفراره وطالت أيامه نحو العشرين سنة أو أكثر‏.‏

وفيها بنى المعتصم مدينة سر من رأى وسكنها وهي التي تسمى أيضًا سامرا‏.‏

وسبب بنائه لهذه المدينة كثرة مماليكه الأتراك لأنهم كثروا وتولعوا بحرم الناس فشكا أهل بغداد ذلك للمعتصم وقالوا له‏:‏ تحول عنا وإلا قاتلناك قال‏:‏ وكيف تقاتلوني وفي عسكري ثمانون ألف دارع ‏!‏ قالوا‏:‏ نقاتلك بسهام الليل - يعنون الدعاء - فقال المعتصم‏:‏ والله ما لي بها طاقة فبنى لذلك سر من رأى وسكنها‏.‏

وفيها أسر عجيف جماعة من الزط وقدم بهم بغداد وكانت عدتهم سبعة وعشرين ألفا المقاتلة منهم اثنا عشر ألفًا‏.‏

قاله صاحب المرآة‏.‏

وفيها غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وصادره وأخذ منه أموالًا عظيمة تفوق الوصف حتى قيل‏:‏ إنه أخذ منه عشرة آلاف ألف دينار واستأصله وأهل بيته ونفاه إلى قرية بطريق الموصل وولى بعده الوزارة محمد بن عبد الملك بن الزيات‏.‏

وفيها اعتنى المعتصم باقتناء الترك فبعث إلى سمرقند وفرغانة والنواحي لشرائهم وبذل فيهم الأموال وألبسهم أنواع الديباج ومناطق الذهب وأمعن في شرائهم حتى بلغت عدتهم ثمانية آلاف مملوك وقيل‏:‏ ثمانية عشر ألفًا وهو الأشهر ولأجلهم بنى مدينة سامرا كما تقدم ذكره‏.‏

وفيها توفي خلف بن أيوب أبو سعيد العامري البلخي الإمام الفقيه الحنفي مفتي أهل بلخ وخراسان وكان إمامًا زاهدًا ورعًا أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف يعقوب وابن أبي ليلى وأخذ الزهد عن إبراهيم بن أعصم‏.‏

وانتهت إليه رياسة المذهب في زمانه رحمه الله تعالى‏.‏

بناء مدينة سامرا على سبيل الاختصار ولما ولي المعتصم وكثرت مماليكه صاروا يؤذون الناس فكانوا يطردون خيلهم إلى بغداد فيصدم أحدهم المرأة والشيخ الكبير والصغير فعظم ذلك على أهل بغداد فكلموا المعتصم كما تقدم ذكره فعزم على التحول من بغداد فخرج من بغداد وتنقل على دجلة والقاطول وهو نهر منها فانتهى إلى موضع فيه دير لرهبان فرأى فضاء واسعًا جدًا والهواء طيبًا فاستمرأه وتصيد به ثلاثًا فوجد نفسه يطلب أكثر من أكله فعلم أن ذلك لتأثير الهواء والتربة والماء فاشترى من أهل الدير أرضهم بأربعة آلاف دينار وأسس قصره بالوزيرية التي ينسب إليها التين الوزيري وجمع الفعلة والصناع من الممالك ونقل إليها أنواع الأشجار والغروس واختطت الخطط والدروب وجدوا في بنائها وشيدت القصور واستنبطت إليها المياه من دجلة وغيرها وتجامع الناس بها فقصدوها وسكنوها فكثرت بها المعايش إلى أن صارت من أعظم البلدان‏.‏

وفيها ظهر إبراهيم النظام وقرر مذهب الفلاسفة وتكلم في القمر فتبعه خلق‏.‏

وفيها حج بالناس صالح بن العباس بن محمد بن علي العباسي‏.‏

وفيها توفي سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير أبو أيوب الهاشمي العباسي كان صالحًا زاهدًا عفيفأ جوادًا‏.‏

قال الشافعي‏:‏ ما رأيت أعقل من رجلين‏:‏ أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي‏.‏

وفيها توفي فتح بن سعيد أبو نصر الموصلي كان من أقران بشر الحافي وسري السقطي كان زاهدًا عابدًا كبير الشأن‏.‏

قال فتخ‏:‏ صحبت ثلاثين شيخًا كانوا يعدون من الأبدال وكفهم أوصاني عند فراقي له‏:‏ إياك ومعاشرة الأحداث‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين ودكين اسمه عمرو بن حماد بن زهير بن درهم مولى أبي طلحة بن عبد الله التيمي ولد سنة ثلاثين ومائة وهو أحد الأعلام المشهورين بعلم الحديث المتقدمين فيه‏.‏

وفيها توفي قالون المقرىء واسمه عيسى وكنيته أبو موسى كان إمامًا عالمًا انتهت إليه الرياسة في النحو والعربية والقراءة في زمانه بالحجاز وهو أحد أصحاب نافع ورحل إليه الناس وطال عمره وبعد صيته‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وإصبعان‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وسبعة عشر إصبعًا ونصف‏.‏

السنة الثانية من ولاية موسى بن أبي العباس على مصر وهي سنة إحدى وعشرين ومائتين‏.‏

فيها تكامل بناء مدينة سر من رأى‏.‏

وفيها ولي إمرة مكة محمد بن داود بن عيسى العباسي ووقع في ولايته بمكة حروب وفتن‏.‏

وفيها كانت وقعة كبيرة بين بغا الكبير المعتصمي وبين بابك الخزير انهزم فيها بابك‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن شماس أبو إسحاق السمرقندي الإمام الزاهد الورع كان ثقة ثبتًا شجاعًا بطلًا عظيم الهامة خرج من مدينة سمرقند غازيًا فالتقاه الترك فقتلوه في المحرم من السنة‏.‏

وفيها توفي عيسى بن أبان بن صدقة الإمام القاضي أبو موسى الحنفي كان عالمًا سخيًا جدًا كان يقول‏:‏ والله لو أتيت برجل يفعل في ماله كفعلي لحجرت عليه وكان مع كرمه من أعيان الفقهاء وولي القضاء سنتين‏.‏

وفيها توفي أبو جعفر المحولي الزاهد العابد كان يسكن بباب المحل فعرف به كان يقول‏:‏ حرام على قلب مأسور بحب الدنيا أن يسكنه الورع وحرام على نفس مغرمة برياء الناس أن تذوق حلاوة الآخرة وحرام على كل عالم لم يعمل بعلمه أن تنجده التقوى‏.‏

وفيها كان الطاعون بالبصرة ذكره ابن الجوزي في المنتظم فقال‏:‏ كان لشخص تسعة أولاد فماتوا في يوم واحد‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو اليمان الحمصي وعاصم بن علي بن عاصم والقعنبي وعبدان المروزي واسمه عبد الله بن عثمان وهشام بن عبيد الله الرازي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وخمسة عشر‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وأحد وعشرون إصبعًا ونصف إصبع‏.‏

‏.‏

السنة الثالثة من ولاية موسى بن أبي العباس على مصر وهي سنة اثنتين وعشرين ومائتين‏.‏

فيها كانت وقعة الأفشين مع الكافر بابك الخرفي فهزمه الأفشين واستباح عسكره وهرب بابك ثم أسروه بعد فصول طويلة وكان بابك من أبطال زمانه وشجعانهم عاث في البلاد وأفسد وأخاف الإسلام وأهله وغلب على أذربيجان وغيرها وأراد أن يقيم ملة المجوس وظهر في أيامه المازيار القائم بملة المجوس بمدينة طبرستان فعظم شره وكان الخليفة المعتصم قد جعل لمن جاء به مئتا ألفي ألف درهم ولمن جاء برأسه ألف ألف درهم فجاء به سهل البطريق فأعطاه المعتصم ألفي ألف درهم وحط عنه خراج عشرين سنة ثم قتل بابك في سنة ثلاث وعشرين ومائتين ‏"‏ أعني في الآتية ‏"‏‏.‏

ولما أدخل بابك مقيدًا إلى بغداد انقلبت بغداد بالتكبير والضجيج فلله الحمد‏.‏

وفيها توفي أحمد بن الحجاج الشيباني ثم الذهلي‏.‏

كان إمامًا عالمًا فاضلًا ثقة‏.‏

قدم إلى بغداد وحدث بها عن عبد الله بن المبارك وغيره وروى عنه محمد بن إسماعيل البخاري وكان الإمام أحمد يثني عليه‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي عمر بن حفص ابن غياث وخالد بن نزار الأيلي وأحمد بن محمد الأزرقي الذي ذكرناه في الطبقة الماضية وعلي بن عبد الحميد ومسلم بن إبراهيم والوليد بن يشام القحمي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وتسعة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعًا واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة من ولاية موسى بن أبي العباس على مصر وهي سنة ثلاث وعشرين ومائتين‏.‏

فيها قدم الأفشين بغداد في ثالث صفر ببابك الكافر الخزين وأخيه وكان المعتصم يبعث للأفشين منذ توجه إلى بغداد في كل يوم خلعة وفرسًا بفرحته ببابك‏.‏

ومن عظم فرح المعتصم وعنايته بأمر بابك رتب البريد من سر من رأى إلى الأفشين بحيث إن الخبر يأتيه من مسيرة شهر في أربعة أيام‏.‏

وكان بابك يقول بتناسخ الأرواح ويستحل البنت وأمها‏.‏

وقد تقدم في العام الماضي أن المعتصم أعطى لمن أحضره إلى بغداد ألفي ألف درهم‏.‏

ولما أن أراد المعتصم قتل بابك المذكور أمر بعد عقوبته بقطع أربعته فلما قطعت يده مسح بالدم على وجهه حتى لا يرى أح أن وجهه أصفر خيفة من القتل وقتل وعلق رأسه وقطعت أعضاؤه ثم أحرق‏.‏

وفيها أيضًا جهز المعتصم الأفشين المذكور بالجيوش لغزو الروم فتهيأ وسافر والتقى مع طاغية الروم فاقتتلوا أيامًا وثبت كل من الفريقين إلى أن هزم الله طاغية الروم ونصر الإسلام ولله الحمد‏.‏

وفيها أخرب المعتصم مدينة أنقرة وغيرها من بلاد الروم وأنكى في بلاد ديارهم‏.‏

وكان ملكهم تويخيل بن ميخائيل بن جرجس قد نزل زبطرة في مائة ألف وأغار على ملطية وأباد المسلمين حتى أخذ المعتصم بثأرهم وأخرب ديار الكفر‏.‏

‏.‏

وفيها دفع المعتصم خاتمه إلى ابنه هارون الواثق وأقامه مقام نفسه وأستكتب له سليمان بن محمد بن عبد الملك بن الزيات‏.‏

وفيها في شوال زلزلت فرغانة فمات تحت الهدم خمسة عشر ألفًا من الناس‏.‏

وفيها حج بالناس محمد بن داود‏.‏

وفيها توفيت فاطمة النيسابورية الزاهدة جاورت بمكة مدة وكانت تتكلم في معاني القرآن قال ذو النون المصري‏:‏ فاطمة ولية الله وهي أستاذتي‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي عبد الله بن صالح كاتب الليث وخالد بن خداش ومحمد بن سنان العوقي ومحمد بن كثير العنسي وموسى بن إسماعيل التبوذكي ومعاذ بن أسد المروزي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وثلاثة وعشرون إصبعًا ونصف إصبع‏.‏

ولاية مالك بن كيدر على مصر هو مالك بن كيدر واسم كيدر نصر وقد تقدم ذكره في ولايته على مصر وكيدر بن عبد الله الضغدي‏.‏

وولي مالك إمرة مصر بعد عزل الأمير موسى بن أبي العباس عنها من قبل الأمير أبي جعفر أشناس ولاه على صلاة مصر وكان الخراج للخليفة يولي عليه من شاء في هذه السنين فقدم مالك بن كيدر إلى مصر لسبع بقين من شهر ربيع الآخر من سنة أربع وعشرين ومائتين وسكن بالعسكر على عادة أمراء بني العباس وولى على الشرطة بعض حواشيه وساس الناس إلى أن صرف عن إمرة مصر في ثالث شهر ربيع الآخر من سنة ست وعشرين ومائتين وتولى مصر من بعده الأمير علي بن يحيى فكانت ولاية مالك هذا على مصر سنتين وأحد عشر يومًا ودام بعد ذلك بطالًا سنين إلى أن توفي فجاءة في عاشر شعبان سنة ثلاث وئلاثين ومائتين وكان أميرًا ساكنًا عاقلًا مدبرًا سيوسًا وقورًا في الدول ولي الأعمال الجليلة وتنقل في خدم الخلفاء وكان من أكابر القواد والأ مراء‏.‏

السنة الأولى من ولاية مالك بن كيدر على مصر وهي سنة أربع وعشرين ومائتين‏.‏

فيها أظهر مازيار بن قارن الخلاف بطبرستان وحارب أعوان الخليفة‏.‏

وكان مباينًا لآل طاهر وكان المعتصم يأمره بحمل الخراج إليهم فيقول مازيار‏:‏ لا أحمله إلا إلى أمير المؤمنين‏.‏

وكان الأفشين يسمع أحيانًا من المعتصم ما يدل على أنه يريد عزل عبد الله بن طاهر فلما ظفر الأفشين ببابك ونزل من المعتصم المنزلة الرفيعة طمع في إمرة خراسان وبلغه منافرة مازيار فكتب إليه الأفشين يمنيه ويستميله ويقوي عزمه‏.‏

ثم كتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر بمحاربة مازيار ثم جهز بعد ذلك المعتصم جيشًا لمحاربة مازيار وعلى الجيش الأفشين المذكور هذا ومازيار قد جنى الأموال وعسف وأخرب أسوار آمد والري وجرجان وهرب الناس إلى نيسابور‏.‏

ووقع لمازيار أمور وحروب آخرها أنه قتل بعد أن أهلك الحرث والنسل‏.‏

وفيها توفي إبراهيم ابن الخليفة المهدي محمد ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير أبو إسحاق أخو الرشيد وعم الأمين والمأمون والمعتصم كان يعرف بابن شكلة وهي أمه أم ولد سوداء مولده في سنة اثنتين وستين ومائة‏.‏

وإبراهيم هذا هو الذي كان بويع بالخلافة بعد قتل الأمين ولقب بالمبارك المنير في سنة اثنتين ومائتين فلم يتم أمره ووقع له مع عسكر المأمون حروب ووقائع أسفرت عن هزيمة إبراهيم واختفائه سنين إلى أن ظفر به المأمون وعفا عنه‏.‏

وكان إبراهيم قد انتزع إلى أنه فكان أسود حالكًا عظيم اللحية على أنه لم يكن في أولاد الخلفاء أفصح منه ولا أشعر وكان حاذقًا بالغناء وصناعة العود يضرب به المثل فيهما‏.‏

وله في هروبه واختفائه وكيفية الظفر به أمور وحكايات مهولة منها أنه لما وقف بين يدي المأمون شاور في قتله أصحابه فالكل أشاروا بالقتل غير أنهم اختلفوا في القتلة فالتفت المأمون إلى أحمد بن خالد الوزير وشاوره فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن قتلته فلك نظير وإن عفوت عنه فما لك نظير فأنشد المأمون‏:‏ ‏"‏ الكامل ‏"‏ فلئن عفوت لأعفون تكرمًا ولئن سطوت لأوهنن عظامي فكشف إبراهيم بن المهدي رأسه وقال‏:‏ الله أكبر عفا عني أمير المؤمنين‏!‏ فقال المأمون‏:‏ يا غلمان خلوا عن عمي وغيروا من حالته وجيئوني به‏.‏

ففعلوا وأحضروه بين يدي المأمون في مجلسه ونادمه وسأله أن يغني فأبى وقال‏:‏ نذرت لله عند خلاصي تركه فعزم عليه وأمر أن يوضع العود في حجره فغنى‏.‏

وقال الذهبي‏:‏ وعن منصور بن المهدي قال‏:‏ كان أخي إبراهيم إذا تنحنح طرب من يسمعه فإذا غنى أصغت إليه الوحوش ومدت أعناقها إليه حتى تضع رؤوسها في حجره فإذا سكت نفرت وهربت وكان إذا غنى لم يبق أحد إلا ثمل ويترك ما في يده حتى يفرغ‏.‏

قلت‏:‏ وحكايات إبراهيم في الغناء والعود مشهورة يضيق هذا المحل عن ذكرها وقد ذكره أبن عساكر في تاريخ دمشق في سبع عشرة ورقة‏.‏

وفيها توفي أبو عبيد القاسم بن سلام وكان أبوه عبدًا روميًا لرجل من أهل هراة وكان القاسم إماما عالمًا مفننًا له المصنفات الكثيرة المفيدة‏:‏ منها غريب الحديث وغيره‏.‏

وفيها توفي سليمان بن حرب الحافظ أبو أيوب الأزدي البصري ولد في صفر سنة أربعين ومائة وكان إمامًا فاضلًا - قال القاضي يحيى بن أكثم‏:‏ لما عدت من البصرة إلى بغداد قال لي المأمون‏:‏ من تركت بالبصرة قلت‏:‏ سليمان بن حرب - حافظًا للحديث ثقة عاقلًا في نهاية الصيانة والسلامة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة أصابع ونصف‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وخمسة أصابع‏.‏

السنة الثانية من ولاية مالك بن كيدر على مصر وهي سنة خمس وعشرين ومائتين‏.‏

فيها قبض المعتصم على الأفشين لعداوته لعبد الله بن طاهر ولأحمد بن أبي دواد فعملا عليه ونقلا عنه أنه يكاتب مازيار فطلب المعتصم كاتبه وتهدده بالقتل فاعترف وقال‏:‏ كتبت إليه بأمره يقول‏:‏ لم يبق غيري وغيرك وغير بابك الخرمي وقد مضى بابك وجيوش الخليفة عند ابن طاهر ولم يبق عند الخليفة سواي فإن هزمت أبن طاهر كفيتك أنا المعتصم ويخلص لنا الدين الأبيض يعني المجوسية وكان الأفشين يتهم بها فوهب المعتصم للكاتب مالًا وأحسن إليه وقال‏:‏ إن أخبرت أحدًا قتلتك‏.‏

فروي عن أحمد بن أبي عواد قال‏:‏ دخلت على المعتصم وهو يبكي وينتحب ويقلق فقلت‏:‏ لا أبكى الله عينك‏!‏ ما بك قال‏:‏ يا أبا عبد الله رجل أنفقت عليه ألف ألف دينار ووهبت له مثلها يريد قتلي‏!‏ قد تصدقت بعشرة آلاف ألف درهم فخذها وفرقها - وكان الكرخ قد احترق - فقلت‏:‏ تفرق نصف المال في بناء الكرخ والباقي في أهل الحرمين قال‏:‏ أفعل‏.‏

وكان الأفشين قد سير أموالًا عظيمة إلى مدينة أشروسنة وهم بالهرب إليها ‏"‏ فتحقق عند المعتصم بما كان من أمر الأفشين فتغير عليه وأحس ‏"‏ الأفشين ‏"‏ بالأمر فهيأ دعوة ليسم المعتصم وقواده فإن لم يجبه دعا لها أتراك المعتصم‏:‏ مثل الأمير إيتاخ وأشناس وغيرهما فيسمهم ثم يذهب إلى إرمينية ويدور إلى أشروسنة‏.‏

فطال بالأفشين الأمر ولم يتهيأ له ذلك حتى أخبر بعض خواصه المعتصم بعزمه فقبض عليه حينئذ المعتصم وحبسه وكتب إلى عدوه عبد الله بن طاهر بأن يقبض على ولده الحسن بن الأفشين فوقع له ذلك‏.‏

وفيها استوزر المعتصم محمد بن عبد الملك بن الزيات‏.‏

وفيها أيضًا أسر مازيار المذكور وقدم به بين يدي المعتصم‏.‏

وفيها زلزلت الأهواز وسقط كثر البلد والجامع وهرب الناس إلى ظاهر البلد ودامت الزلزلة وفيها ولي إمرة دمشق دينار بن عبد الله وعزل بعد أيام بمحمد بن الجهم‏.‏

وفيها توفي سعدويه واسمه سعيد بن سليمان وكنيته أبو عثمان الواسطي الواعظ البزاز كان يسكن ببغداد وامتحن بالقرآن فأجاب فقيل له بعد ذلك‏:‏ ما فعلت‏.‏

قال‏:‏ كفرنا ورجعنا‏.‏

وفيها توفي صالح بن إسحاق أبو عمرو النحوي الجرمي لأنه نزل في قبيلة من جرم وكان إمامًا فاضلًا عارفًا بالعربية وأيام الناس وأشعار العرب وله اختيارات وأقوال‏.‏

وفيها توفي علي بن رزين الإمام أبو الحسن الخراساني الترمذي ويقال الهروي أستاذ أبي عبد الله المغربي كان صاحب أحوال وكرامات‏.‏

وفيها توفي الأمير أبو دلف العجلي واسمه القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن سنان من ولد عجل أمير الكرج كن شجاعًا جوادًا ممدحًا شاعرًا وهو الذي قال فيه علي بن جبلة‏:‏ ‏"‏ المديد ‏"‏ إنما الدنيا أبو دلف بين باديه ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أثره قيل‏:‏ إن المأمون كان مقطبًا فدخل عليه أبو دلف فقال له المأمون‏:‏ يا أبا دلف أنت الذي قال فيك الشاعر وذكر البيت المقدم ذكره فقال أبو دلف‏:‏ يا أمير المؤمنين شهادة زور وقول غرور وأصدق منه قول من قال‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ دعيني أجوب الأرض ألتمس الغنى فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم وقال ثعلب‏:‏ حدثنا ابن الأعرابي عن الأصمعي قال‏:‏ كنت واقفًا بين يدي المأمون إذ دخل عليه أبو دلف فنظر إليه المأمون شزرًا وقال له‏:‏ أنت الذي يقول فيك علي بن جبلة‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ له راحة لو أن معشار عشرها على البر كان البر أندى من البحر له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين مكتوب علي لا والذي في السماء بيته ما أعرف من هذا حرفًا فقال المأمون‏:‏ قد قال فيك أيضا‏:‏ ‏"‏ البسيط ‏"‏ ما قال لاقط من جود أبو دلف إلا التشهد لكن قوله نعم فقال‏:‏ ولا أعرف هذا أيضًا يا أمير المؤمنين‏.‏

قلت‏:‏ وأخبار أبي دلف كثيرة وشعره سارت به الركبان‏.‏

وفيها توفي منصور بن عمار بن كثير الشيخ أبو السري الواعظ الخراساني وقيل‏:‏ البصري أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

ولاية علي بن يحيى الأولى على مصر هو علي بن يحيى الأمير أبو الحسن الأرمني ولي إمرة مصر من قبل الأمير أبي جعفر أشناس التركي على الصلاة بعد عزل الأمير مالك بن كيدر عنها سنة ست وعشرين ومائتين و وصل إلى الديار المصرية في يوم الخميس لسبع خلون من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة وسكن بالعسكر على عادة الأمراء وجعل على شرطته معاوية ‏"‏ بن معاوية ‏"‏ بن نعيم وتم أمره وأخذ في إصلاح أحوال الديار المصرية وإقناع المفسدين إلى أن ورد عليه الخبر في شهر ربيع الأول من سنة سبع وعشرين ومائتين بموت الخليفة محمد المعتصم وبيعة ابنه هارون الواثق بالخلافة من بعده وأن الخليفة هارون الواثق أقره على عمل مصر على عادته‏.‏

فأقام على ذلك مدة و ورد عليه الخبر بعزله عن إمرة مصر من غير سخط بعيسى بن منصور وذلك في يوم الخميس لسبع خلون من ذي الحجة من سنة ثمان وعشرين ومائتين‏.‏

فكانت ولاية علي بن يحيى هذا على مصر سنتين وثمانية أشهر وقيل‏:‏ وثلاثة أشهر والأول أصح‏.‏

وتوجه إلى العراق وقدم على الخليفة هارون الواثق فأكرمه الواثق وولي الأعمال الجليلة في أيام الواثق وأيام أخيه المتوكل جعفر‏.‏

ثم أعيد إلى إمرة مصر ثانيًا حسبما يأتي ذكره وأقام بها مدة ثم عزل وعاد إلى العراق وعظم عند الخلفاء وغزا الصائفة غير مرة إلى أن خرج في أول سنة تسع وأربعين ومائتين إلى غزو الروم وتوغل في بلاد الروم ثم عاد قافلًا من إرمينية إلى ميافارقين فبلغه مقتل الأمير عمر بن عبد الله الأقطع وكان الأقطع قد خرج مع جعفر بن دينار إلى الصائفة فافتتح حصنًا يقال له مطامير فاستأذن الأقطع جعفر بن دينار في الدخول إلى الروم فأذن له فدخل الأقطع الروم ومعه عسكر كثيف‏.‏

وكان الروم في خمسين ألفًا فأحاطوا به وبمن معه فقتلوه وقتل معه ألف رجل من أعيان المسلمين وكان ذلك في يوم الجمعة منتصف شهر رجب من السنة‏.‏

فلما بلغ الأمير علي بن يحيى المذكور خبر قتل الأقطع عاد من وقته يطلب الروم فقاتل حتى قتل حسبما ذكرناه في ولايته الثانية على مصر‏.‏

وفي أيام علي بن يحيى هذا على مصر وقع بينه وبين هارون بن عبد الله الزهري الأصم قاضي قضاة ديار مصر فعزله وولى عوضه محمد بن أبي الليث الحارث بن شداد الإيادي الجهمي الخوارزمي فبقى محمد المذكور في القضاء نحوًا من عشر سنين ولم يكن محمود السيرة في أحكامه وامتحن الفقهاء بمصر بخلق القرآن وحكم على عبد الله بن عبد الحكم بودائع كانت للجروي عندهم بألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار فأقاموا شهودًا بأن الجروي كان قد أبرأهم وأخذ الذي له فلم يلتفت لذلك وعسفهم وظلمهم وفعل أمثال ذلك كثيرًا‏.‏